ليس إلا بعثيا متعجرفا كأبيه .. هكذا قالت رُبى لأمها وهي تطلق الويلات وتحكي لها ما فعل عسكر بشار ابن حافظ بأولاد عمتها لقاء وجيرانهم وليد وعماد حتي حافظ ابن العم نسيم لم يسلم منهم فقد أطلقوا عليه الرصاص أيضا .. رُبى لم تعد تبكي كالسابق على كل شيء .. تقول إحدى رفيقاتها أنها أصبحت لوح ثلج لا يذوب
من يعرف رُبى يدرك لما تحولت هكذا .. رُبى من هؤلاء الذين وُلدوا من رحم معاناة لتتفتح عيونهم على زفرات ألم وتكبر مداركهم بويلات محن أكبر .. رُبى وُلدت في حماة عام 1986 ولكنها تعرف ماذا تعني حماة وماذا يعني إخوان مسلمون وماذا يعني حافظ الأسد وولده .. تدرك جيدا أنها تمقت حافظ جدا فقد أعدم عمها بالبيجامة هكذا تقول لم يسمحوا له حتي بأن يغير ملابسه أعدموه ببلادةٍ هو وسبعة عشر رجلاً هم رجال الحي آنذاك وأبوها كان مسافرا يعمل في ليبيا ليجني مالاً أكثر
رُبى لم ترى عمها تحفظ ملامحه من الصور ومن عبدالله ابنه يقولون أنه يشبه أباه كثيرا .. عبدالله وُلد عام 1979 قبل اعدام أبيه بعام لا يذكر الصبي شيئا لكنه يعرف كيف أنه تربى هنا وهناك من دون أب ..
رُبى هي ابنة عمه الذي عاد من الخارج ليتحمل أبناء أخ أعدمه نظام حافظ الدموي عام 1980 في مجزرة حماة الشهيرة التي أثبت فيها الأسد وبجدارة تعطشه للدماء وفساد نظامه وأثبتت أيضا أن الاضطهاد الذي لاقته السُنة هناك ليس بجديد
في عام 2000 مات حافظ كان عيدا بالنسبة لرُبى وعبدالله فاحتفلا فيه بخطبتهما المؤجلة مرارا .. علم أحد الدود كما تسميهم رُبى فأبلغ عن عبدالله أنه سعيد بموت حافظ وأنه كان يعلق ملصقات كُتب بها ورحل الطاغية والعقبى لأعوانه .. اعتقلوا عبدالله والاعتقال لمن هم كعبدالله يعني محو أثر .. وكأنما سُلطت سلالة الأسد على تلك العائلة تحديدا .. حكم عبدالله على بشار بأن ذاك الوغد من ذاك ...
بكت ربى حتى جفت الدموع وحتى آنات القلب خبت .. لم تعد تقوى حتى على البكاء .. ومضت سنون .. عشر سنين .. كبرت جدا .. كانت تقول يوم خطبتها أنا صغيرة على الزواج بل وصغيرة حتى على الحب .. اليوم هي كبيرة تلبس خاتم عبدالله الذي لحمته خمس مرات أو ست خلال تلك الفترة فذهبه رقيق بمقتضي حاله .. اليوم تبكي والدتها ورُبى صامتة تسترجع نسيم أوجاعها بتؤدة .. الأمور تساوت لديها مذ أخذوا عبدالله فلا فارق .. هي حتى لا تعلم أحي هو أم !!..
تطالع الأخبار ثاروا بتونس وانتصروا بمصر .. وليبيا واليمن تمضيان على الدرب .. تراقب من بعيد تنتظر الدور ليأتي وتصمت ومن حين لآخر تخبر من حولها أن الله يمهل للظالمين فإذا أخذهم لم يفلتهم .. هي تتمنى أن ترى هذا- لم يفلته- وتقول بأنها ستشمت بالظالم وهذا بقناعتها من قبيل ويشف صدور قوم مؤمنين فهي تعلم أن بقلبها غيظ لن يُذهبه إلا الله
اشتدت حمية المظاهرات بحماة ودرعا وازداد نظام بشار سُعارا ودموية .. حصد بشار وعسكره رؤوس المصلين كالثمار ببشاعة عربيد .. اقتلعت الأحداث رُبى قسرا فسارعت لتشارك .. كن قليلات من خرجن من الصبايا في الحي .. يومها ديست بالأرجل وحُملت لبيتها بعربة اسعاف .. نسيت أن أخبركم أن رُبي ممرضة وتطوعت للاسعاف مع الصبايا بالمظاهرات ..
تجلس على أريكة بيتهم وتفتح التلفاز :-
يعلن الرئيس بشار عن عزمه بدء اصلاحات بالبلاد .. ويفرج عن بعض المعتقلين السياسيين ..
رجل أشقر بالباب يطرقه بعنف وينادي أمي .. رُبى .. رُبى .. رُبى .. تركض نحوه تتعلق عيناها بمحياه يمسكها من كتفها بقوة أنتِ رُبى .. صحيح رُبى .. رُبى
تفتح عينيها لتجد أنها كانت تحلم وذراع أمها تطوق كتفها قائلة : هيا حبيبتي ادخلي لتنامي بسريرك ..
آآه من غربلة الروح .. آآه ليتها لم تحلم أو ليتها لم تستفق مجددا .. تشعر بأن كلمات والدتها وهي الواقع كرصاص يهشم دواخلها بقوة يغربل روحها التي أصبحت ثقوب ..تبكي رُبى وترقب ولازلت تنتظر ..
إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلتهhttp://www.faysalonline.com/v_article.php?id=99